الأقسام الرئيسية

واقع نحياه

 كتابة طــاهــر الــــمــــهـــدى

هذا المقال قمت بكتابته قبل ثورة 25 يناير 2011 م فى جريدة اللواء العربى بعنوان " فى دولتنا عدالة إجتماعية " ، وتحديدا كتبته فى منتصف العام 2010 م ، وكان عبارة عن انتقاد للأحوال الإقتصادية للبلد وعدم وجود عدالة اجتماعية فيها .. وإليكم نص المقال كما كتبته :
قامت أختى وزوجها قبل فترة بسيطة بافتتاح مكتب للخدمات يقوم بتوفير فرص عمل للشباب والفتيات ، وبعد أن تم إنهاء الإجراءات الرسمية وبدأ المكتب بممارسة عمله كوسيط بين أصحاب المهن المختلفة وبين الراغبين فى الحصول على عمل من الجنسين ، وقتها استعانت بى أختى وزوجها فى إدارة شؤون المكتب نظرا لأنهما جديدان فى هذا السوق المفتوح وكانا فى حاجة إلى شخص يأتمنانه على سير وسلوك العمل وأن يتعاون معهما فى بعض المهمات التى يحتاجان فيها إلى شخص عنده القدرة على موازنة الأمور بشكل جيد ، طبعا هم استعانوا بى ليس لأننى الوحيد القادر على إدارة علاقات عامة بشكل جيد ولكن لأننى الأقرب إليهما حيث أنها أختى وهو زوجها مما يجعلنا نشكل كيان واحد ومما يوفر فرصة أكبر للإجتهاد من أجل مصلحة العمل ، وفى أثناء فترة العمل والتعاون معهما مررت بالكثير من المواقف التى تفتح معها ذهنى إلى أمور غامضة لم أتخيل أنه فى يوم من الأيام يمكن أن أكتشف وقعها على نفسى وذالك على الرغم من إيمانى بوجودها ، وإنما المذهل أننى رأيتها بعينى وتعايشت معها لساعات طويلة بل لأيام امتدت لأسابيع وشهور ... !!!

إننى الآن سأتحدث إليكم عن وجه من وجوه الحياة الإجتماعية فى بلدى مصر ، حيث هناك أناس يعيشون فوق النجوم وهناك آخرين كتبت عليهم اللعنات ويعيشون فى الحضيض ، بل ويعيشون تحت الأنقاض فى أسفل سافلين ، نعم إنها حقيقة مصر التى طالما ظننت أنها دولة يتساوى فيها القوى مع الضعيف والفقير مع الغنى ، هذا الغنى الذى لم أتخيل يوما من الأيام أنه بهذا الثراء الفاحش الذى تحطمت معه الأرقام القياسية ، ولكى تفهمو المسألة بشكل سهل سأخبركم عن متوسط الدخل لدى الموظف المصرى حيث لا يتجاوز راتبه الشهرى من الجهات الحكومية عن 700 جنيه ، وهو ما يعادل 123 دولار شهريا ..... ساظل أتحدث عن قيمة العملات بالجنيه المصرى وعليكم أن تقومو بحسابها بالدولار على أساس أن قيمته خمسة جنيهات وخمس وعشرون قرش ( 5.25 ) وقت كتابة المقال .

قلنا أن متوسط راتب الموظف المصرى 700 جنيه ، فما هو قدر الرواتب لدى أثرياء القوم ؟؟؟ فى الحقيقة أن الرواتب لدى الجهات الحكومية ليس لها علاقة ولا تفرق بين الثرى والفقير اللهم إلا إذا كانت وظيفة تابعة لهيئة سياسية ... وهذا يجعلنا نحسبها بطريقة أخرى وهو الواقع العملى لحياة كلا الشخصين ، ويدفعنا ذالك إلى التساؤل كيف يعيش أثرياء القوم وكيف يموت الفقراء حيث فى الحقيقة أنهم ميتون وليست لهم علاقة بالحياة لأنهم معدومون منها كليآ ..

من واقع تجربتى واحتكاكى بكلتا الطبقتين اقتنعت تماما أنه لا توجد طبقة وسطى بينهما حيث يعيش الأثرياء حياة البزخ والرفاهية إلى أبعد حدود ناهيك عن أنهم لا يشعرون بمن هم أقل منهم فى المعيشة ولا يحسون بهم ، بل تستطيع أن تقول أنهم يعتبرون أن الفقراء خلقو لكى يكونو لهم خدم تحت أيديهم متى شاءوا ، وما يبرهن على ذالك أنه خلال فترة عملى فى المكتب كانو يتصلون بنا ويطلبون خادمات للعمل فى منازلهم وإنى أتذكر أن أحدهم فى يوم وليلة دفع أكثر من 6 الآف جنيه راتب أربعة عاملات عن كل شهر أى أن لكل واحدة منهن ما قيمته 1500 جنيه شهريا ، ليس هذا هو الثراء الذى اتحدث عنه لأنك لو رأيت مدى إنفاقهم ومدى الرفاهية الشديدة التى يعيشون فيها لكان أول شعور لك بأن من حولك كلهم بأغنيائهم وفقرائهم يعيشون فى الحضيض وتحت الأنقاض ، وسبحان العلى القدير إذا سألت أحد الحيتان من هؤلاء الأثرياء ولو بطريقة غير مباشرة من أين لك هذا ؟ فأول شئ سيجيبك به " إنه خير السيد الرئيس علينا فلولاه ما وصلنا إلى هذا " ، إن مثل تلك العبارة تفتح معنا موضوعا آخر وتطرح على أذهاننا عدة تساؤلات وأول سؤال هو ما هى علاقة السيد الرئيس بحصولهم على هذا الثراء الفاحش ؟ وما هى السياسة المالية للدولة ؟ وما هو معدل الإنفاق على مشروعات القطاع العام فى صالح تحسين الأوضاع الإقتصادية لعامة الشعب ؟ .

إن هناك الكثير من التساؤلات وللإجابة عليها فعلينا بإعادة نظرنا فى تاريخ مصر العريق ، حيث كانت الأوضاع الإقتصادية فى مصر فى ظل العهد الإشتراكى فى فترة الرئيس جمال عبد الناصر تتميز بالإزدهار والتناغم على الرغم مما كان يشوب الأجواء المصرية من فترات الحرب ، ولكن على الرغم من ذالك كانت السياسة الإقتصادية للبلد آنذاك ترمى إلى تنمية مختلف النواحى التى من شأنها خلق  روح العدالة والمساواة بين المواطنين ولم يكن هناك أية مخاوف من سيطرة القطاع الخاص على المنشآت الإقتصادية فى البلد حيث كان القطاع الخاص محكوما بقوة القانون الذى كان يعمل لمصلحة المواطن دائما فى ظل نظام اشتراكى قوى.

وفى أجواء حرب 1973 م كانت مصر لا تزال تحت رعاية الأنظمة الإشتراكية إلى أن بدأت استراتيجيات مصر تتغير مع تغير الأدوار السياسية فى العالم حيث اتجهت الأنظار نحو أمريكا  وقوتها الصاعدة المهيمنة ، وفى أثناء ذالك لاحت فى الأفق اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل التى قلبت جميع الموازين والأعراف الدولية على المستوى الإقليمى والعالمى حيث كانت بداية عهد جديد تحت رعاية غربية وهيمنة أمريكية ، وفى ظل ذالك انقلب النظام الإقتصادى فى مصر رأسا على عقب حيث استحوذ أصحاب رؤوس الأموال على منابع الخير والرخاء فى البلد ، مما أدى إلى ازدهار القطاع الخاص وتدهور حالة القطاع العام لصالح ذوى الأموال والشركات الخاصة ، وبدأت سلسلة تغيرات جذرية فى أوصال العمق الإقتصادى المصرى فى عهد السيد الرئيس مبارك ، ما أدى فى النهاية لأن أسمع من أحد أصحاب رؤوس الأموال عندما سألته بطريقة خفية وغير مباشرة عن كيفية الوصول لتلك الدرجة من الثراء بأن قال "  إنه خير السيد الرئيس علينا فلولاه ما وصلنا إلى هذا  " ..

وبمناسبة الحديث عن القطاع الخاص دار فى ذهنى سؤال حول الدور المحورى الذى تقوم به الخصخصة لصالح المجتمع المصرى وفى الحقيقة أن عمليات الخصخصة تستهدف بيع القطاع العام إلى أشخاص ربما يكونوا غير مصريين مما يعنى انه بيع لحقوق الشعب لصالح جهات وشخصيات وإن كانت مصرية إلا أن ليس من حقها امتلاك ما هو ملك للشعب ، وربما تكون الحجة فى ذالك تنمية المؤسسات التابعة للقطاع العام وما إلى ذالك من الحجج الواهية ، إلا أن المستفيد الأول والأخير من خصخصة المنشآت العامة هم هؤلاء الأشخاص أصحاب رؤوس الأموال الذين سيمتلكون حق الشعب ، وربما يكون من المضحك أن تفقد الحكومة ثقتها فى نفسها وتبيع ممتلكات الشعب إلى أشخاص وجهات غير مسؤولة ،    مما يعنى انهيار مخططات التنمية على المدى البعيد واستبدالها بخطط تنمية تعمل من أجل صالح المستثمرين أولا وبعد ذالك يمكن التفكير فى المصلحة العامة إذا توفرت سبل الربح بالطرق الممكنة وأحيانا بالطرق الغير ممكنة والعزاء قاصر على توصيل الجنازة.

إن ما طرحته عليكم لم يكن هو التفسير لتغير المحور الإقتصادى فى مصر وإنما كان مقارنة افتعلتها مع نفسى عن تغير المناخ الإقتصادى لمصر فى فترة زمنية بدأت منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى عهد الرئيس الحالى ، وما أردت قوله أولا  أن مصر المحروسة حفظها الله ورعاها وهدى شعبها إلى طريق الحق المبين تمتلك من الخيرات ومن النفائس ما لا يتوفر فى غيرها من البلدان إلا أن هناك أشخاص استغلو نفوذهم الذى أعطاهم الله إياه فى تبديد ثروات الشعب ونهب خيرات البلد ، وربما ما تتعرض له مصر ناتج عن ضغوط خارجية تهدف إلى إفقار الشعب وإضعاف قوته وتشتيت جهوده فى محاولة كسب الرزق .... إلى آخر تلك الأغراض الدنيئة التى ساعد فى تنفيذها قلة أعطاهم الله مسؤولية البلد فنهبو ثرواتها ولم يراعوا ضمائرهم أمام الله الذى سيحاسبهم حسابا عسيرا على ما فعلوه برعاياهم ، وختام القول أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيرو ما بأنفسهم ولن تتغير مصر من حالها إلا إذا حاول أهلها تغيير ما هم فيه بأنفسهم   .

الكاتب : طاهر المهدى - تم الطرح لصالح بوابة معتز الأدميرى 2 - 4 - 2012 م  .

zero

 الفيلم الحائز على 15 جائزة دولية
zero


يارب الفيلم يعجبكم كما أعجبنى 



   

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More